استيقظت من نومى فى السادسة صباحاً منزعجاً من قطع التيار الكهربى الذى حرمنى من طراوة هواء المروحة التى تبخر عرقى اللزج وتخفف عنى رطوبة وقيظ الصيف، كتمت غضبى ولم أستفز، ما أن لمست قدماى أرضية الحجرة المتهالكة حتى أحسست ببلل وكأننى أدوس فى شاطئ البحر.

إنها المجارى قد اقتحمت البيت أو بالأصح البدروم الذى أسكنه وسرحت حتى مكان نومى وارتفعت حتى وصلت إلى حافة الوسادة التى أضع عليها رأسى المنهك، كتمت غيظى واستعذت بالله ولم أستفز، توجهت إلى الحمام لأغسل وجهى فإذا بالحنفية خرساء صماء بكماء لا تتعطف عليا بسرسوب أو حتى نقطة تنعش جسدى الموجوع المهشم، كتمت غضبى ولم أستفز.

ذهبت إلى فرن العيش لألحق مكانى فى الطابور بعدما عصلج باب البيت من جبل الزبالة الذى يسده، وجدت الطابور ممتداً لأكثر من كيلو متر، احتلته السيدات اللاتى استيقظن قبل الفجر، وبرغم كمية المسامير والصراصير بداخل الأرغفة المعجنة الملعبكة التى تتشكل بكافة الأشكال ماعدا الشكل الدائرى،

كتمت غيظى ولم أستفز، عدت سريعاً إلى البيت لتسليم العيش إلى زوجتى المريضة بخشونة الركبتين وفشل الكليتين وورم المبيضين حتى تستطيع تحضير طعام الإفطار لأولادى الخمسة الذين يعانون من نقص الحديد وزيادة الرصاص وانعدام البروتين،

أخبرتنى الزوجة بأنه لا داعى للاستعجال، فالأطفال نائمون يشخرون يتمطعون فى جنون ويسألون اللحمة من تكون؟!!، وعندما وجهت إليها اللوم على أنهم تأخروا عن المدرسة، قالت: لقد انهدم السور على المدرسات وهن يقطفن الملوخية ويقمعن البامية أمس،

وقد أصدر الناظر فرماناً بأجازة للتلاميذ حتى يبنى السور وتطرد الجواميس والحمير من الحوش!، كتمت غضبى ولم أستفز أو أنبس ببنت شفه (هكذا قرأتها فى كتب القراءة الرشيدة)، فأنا رجل لا أستفز بسهولة.

استيقظ فجأة ابنى ميدو والعماص يملأ عينيه الناعستين، وديدان الاسكارس والانكلستوما تصافح أحشاءه، استيقظ وهو يبكى من المغص والرمد الصديدى، توجهت سريعاً إلى أقرب وحدة صحية، الطبيب الذى يعالجنى من فيروس سى مازال يضع بقايا الطعام لإفطار الدجاج الذى يربيه فى الوحدة، ومشغول بلم حصاد البيض البلدى من تحت الراقدات منهن،

أخبرته عن الأعراض وهو يقوم بمهمة التزغيط، نفحنى مزيج الراوند السحرى من على رف الحظيرة، أقصد الصيدلية، كتمت غيظى ولم أستفز، فأنا أعرف جيداً أن الموت علينا حق، وأن المرض امتحان وبلاء واختبار لابد من أن نتقبله بابتسامة ولا نستفز.

بعد أن قذفت بميدو إلى البدروم، أسرعت مهرولاً إلى أقرب توك توك لتوصيلى إلى مكان عملى حيث لابد من اللحاق بدفتر الانصراف لأوقع عليه حتى لا أتعرض لخصم المرتب الذى لا يكفينى حتى أسبوعاً من العيش الحاف والمش بدوده والفول بسوسه، كتمت غضبى ولم أستفز برغم أجرة التوك توك وقفز درجات السلالم المكسورة.

أثناء عودتى إلى المنزل (الاسم الحركى للكهف الذى أسكنه) فوجئت بمن يصرخ الحقوا عبير وكاميليا وخضره ونفيسه، حبسوهم فى الكنيسة مع الأسود والنمور، ارتفع ضغطى وأحسست بأن رأسى سينفجر من شدة الاستفزاز، خاصة أن الكنيسة المحبوس فيها بناتنا وستاتنا ولحمنا وعرضنا كانت ترتفع فيها الترانيم فى تحد واضح، وتبرز القباب فى استفزاز مدمر،

وتخرج الصلبان ألسنتها لنا فى غيظ مفجر، لم أستطع كبح جماح نفسى (هكذا قرأتها فى كتاب الوقوف على الناصية والقمة فى شؤون النصارى وأهل الذمة)، لم أستطع كتمان غيظى وغضبى وتحركت كالأسد الهصور (سمعتها كده) مع الجموع والحشود لأدافع عن وجودى وكيانى المستفز، وبعدها تنفست الصعداء (مش عارف سمعتها فين قبل كده).